الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإن غصب شجرا فأثمر فالثمر لصاحب الشجر بغير خلاف نعلمه لأنه نماء ملكه ولأن الشجر عين ملكه نما وزاد, فأشبه ما لو طالت أغصانه وعليه رد الثمر إن كان باقيا وإن كان تالفا فعليه بدله وإن كان رطبا فصار تمرا أو عنبا فصار زبيبا, فعليه رده وأرش نقصه إن نقص وليس له شيء بعمله فيه وليس للشجر أجرة لأن أجرتها لا تجوز في العقود, فكذلك في الغصب ولأن نفع الشجر تربية الثمر وإخراجه وقد عادت هذه المنافع إلى المالك ولو كانت ماشية, فعليه ضمان ولدها إن ولدت عنده ويضمن لبنها بمثله لأنه من ذوات الأمثال ويضمن أوبارها وأشعارها بمثله, كالقطن. وإذا غصب أرضا فحكمها في جواز دخول غيره إليها حكمها قبل الغصب فإن كانت محوطة كالدار والبستان المحوط, لم يجز لغير مالكها دخولها لأن ملك مالكها لم يزل عنها فلم يجز دخولها بغير إذنه كما لو كانت في يده قال أحمد, في الضيعة تصير غيضة فيها سمك: لا يصيد فيها أحد إلا بإذنهم وإن كانت صحراء جاز الدخول فيها ورعى حشيشها قال أحمد لا بأس برعى الكلأ في الأرض المغصوبة وذلك لأن الكلأ لا يملك بملك الأرض ويتخرج في كل واحدة من الصورتين مثل حكم الأخرى قياسا لها عليها ونقل عنه المروذي في رجل والداه في دار طوابيقها غصب لا يدخل على والديه, وذلك لأن دخوله عليهما تصرف في الطوابيق المغصوبة ونقل عنه الفضل بن عبد الصمد في رجل له إخوة في أرض غصب: يزورهم ويراودهم على الخروج فإن أجابوه, وإلا لم يقم معهم ولا يدع زيارتهم يعني يزورهم بحيث يأتي باب دارهم ويتعرف أخبارهم, ويسلم عليهم ويكلمهم ولا يدخل إليهم ونقل المروذي عنه: أكره المشي على العبارة التي يجري فيها الماء وذلك لأن العبارة وضعت لعبور الماء, لا للمشي عليها وربما كان المشي عليها يضر بها وقال أحمد: لا يدفن في الأرض المغصوبة لما في ذلك من التصرف في أرضهم بغير إذنهم وقال أحمد في من ابتاع طعاما من موضع غصب, ثم علم: رجع إلى الموضع الذي أخذه منه فرده وروي عنه أنه قال: يطرحه يعني على من ابتاعه منه وذلك لأن قعوده فيه حرام, منهي عنه فكان البيع فيه محرما ولأن الشراء ممن يقعد في الموضع المحرم يحملهم على القعود والبيع فيه, وترك الشراء منهم يمنعهم من القعود وقال: لا يبتاع من الخانات التي في الطرق إلا أن لا يجد غيره كأنه بمنزلة المضطر وقال في السلطان إذا بنى دارًا وجمع الناس إليها: أكره الشراء منها وهذا ـ إن شاء الله تعالى ـ على سبيل الورع, لما فيه من الإعانة على الفعل المحرم والظاهر صحة البيع لأنه إذا صحت الصلاة في الدار المغصوبة في رواية, وهي عبادة فما ليس بعبادة أولى وقال في من غصب ضيعة وغصبت من الغاصب, فأراد الثاني ردها: جمع بينهما يعني بين مالكها والغاصب الأول وإن مات بعضهم جمع ورثته إنما قال هذا احتياطا خوف التبعة من الغاصب الأول لأنه ربما طالب بها, وادعاها ملكا باليد وإلا فالواجب ردها على مالكها وقد صرح بهذا في رواية عبد الله في رجل استودع رجلا ألفا, فجاء رجل إلى المستودع فقال: إن فلانا غصبني الألف الذي استودعكه وصح ذلك عند المستودع فإن لم يخف التبعة, وهو أن يرجعوا به عليه دفعه إليه " وإن مرض المغصوب ثم برأ أو ابيضت عينه ثم ذهب بياضها, أو غصب جارية حسناء فسمنت سمنا نقصها ثم خف سمنها فعاد حسنها وقيمتها ردها ولا ضمان عليه لأنه لم يذهب ما له قيمة والعيب الذي أوجب الضمان زال في يديه وكذلك لو حملت فنقصت, ثم وضعت فزال نقصها لم يضمن شيئا فإن رد المغصوب ناقصا بمرض أو عيب, أو سمن مفرط أو حمل فعليه أرش نقصه, فإن زال عيبه في يدي مالكه لم يلزمه رد ما أخذ من أرشه لأنه استقر ضمانه برد المغصوب وكذلك إن أخذ المغصوب دون أرشه ثم زال العيب قبل أخذ أرشه, لم يسقط ضمانه لذلك. زوائد الغصب في يد الغاصب مضمونة ضمان الغصب مثل السمن وتعلم الصناعة, وغيرها وثمرة الشجرة وولد الحيوان, متى تلف شيء منه في يد الغاصب ضمنه سواء تلف منفردا أو تلف مع أصله وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة, ومالك: لا يجب ضمان زوائد الغصب إلا أن يطالب بها فيمتنع من أدائها لأنها غير مغصوبة فلا يجب ضمانها, كالوديعة ودليل عدم الغصب أنه فعل محرم وثبوت يده على هذه الزوائد ليس من فعله لأنه انبنى على وجود الزوائد في يده, ووجودها ليس بفعل محرم منه ولنا أنه مال المغصوب منه حصل في يد الغاصب بالغصب, فيضمنه بالتلف كالأصل وقولهم: إن إثبات يده ليس من فعله لا يصح لأنه بإمساك الأم تسبب إلى إثبات يده على هذه الزوائد وإثبات يده على الأم محظور. وليس على الغاصب ضمان نقص القيمة الحاصل بتغير الأسعار نص عليه أحمد وهو قول جمهور العلماء وحكي عن أبي ثور أنه يضمنه لأنه يضمنه إذا تلفت العين, فيلزمه إذا ردها كالسمن ولنا أنه رد العين بحالها, لم ينقص منها عين ولا صفة فلم يلزمه شيء كما لو لم تنقص, ولا نسلم أنه يضمنها مع تلف العين وإن سلمنا فلأنه وجبت قيمة العين أكثر ما كانت قيمتها فدخلت في التقويم, بخلاف ما إذا ردها فإن القيمة لا تجب ويخالف السمن فإنه من عين المغصوب, والعلم بالصناعة صفة فيها وها هنا لم تذهب عين ولا صفة ولأنه لا حق للمغصوب منه في القيمة مع بقاء العين وإنما حقه في العين, وهي باقية كلها كما كانت ولأن الغاصب يضمن ما غصب والقيمة لا تدخل في الغصب, بخلاف زيادة العين فإنها مغصوبة وقد ذهبت. ولو غصب شيئا فشقه نصفين وكان ثوبا ينقصه القطع, رده وأرش نقصه فإن تلف أحد النصفين رد الباقي وقيمة التالف, وأرش النقص وإن لم ينقصه القطع رد الباقي وقيمة التالف لا غير وإن كانا باقيين, ردهما ولا شيء عليه سوى ذلك وإن غصب شيئين ينقصهما التفريق كزوجي خف ومصراعي باب, فتلف أحدهما رد الباقي وقيمة التالف وأرش نقصهما فإذا كانت قيمتهما ستة دراهم, فتلف أحدهما فصارت قيمة الباقي درهمين رد الباقي وأربعة دراهم وفيه وجه آخر, أنه لا يلزمه إلا قيمة التالف مع رد الباقي وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه لم يتلف غيره ولأن نقص الباقي نقص قيمة فلا يضمنه, كالنقص بتغير الأسعار والصحيح الأول لأنه نقص حصل بجنايته فلزمه ضمانه كشق الثوب الذي ينقصه الشق إذا أتلف أحد شقيه, بخلاف نقص السعر فإنه لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى وها هنا فوت معنى, وهو إمكان الانتفاع به وهذا هو الموجب لنقص قيمته وهو حاصل من جهة الغاصب, فينبغي أن يضمنه كما لو فوت بصره أو سمعه أو عقله أو فك تركيب باب ونحوه. وإن غصب ثوبا فلبسه فأبلاه, فنقص نصف قيمته ثم غلت الثياب فعادت لذلك قيمته, كما كانت لزمه رده وأرش نقصه فلو غصب ثوبا قيمته عشرة, فنقصه لبسه حتى صارت قيمته خمسة ثم زادت قيمته فصارت عشرة رده ورد خمسة لأن ما تلف قبل غلاء الثوب ثبتت قيمته في الذمة خمسة, فلا يعتبر ذلك بغلاء الثوب ولا رخصه وكذلك لو رخصت الثياب فصارت قيمتها ثلاثة, لم يلزم الغاصب إلا خمسة مع رد الثوب ولو تلف الثوب كله وقيمته عشرة, ثم غلت الثياب فصارت قيمة الثوب عشرين لم يضمن إلا عشرة لأنها ثبتت في الذمة عشرة, فلا تزداد بغلاء الثياب ولا تنقص برخصها. وإن غصب ثوبا أو زوليا فذهب بعض أجزائه, كخمل المنشفة وزئبرة الثوب فعليه أرش نقصه وإن أقام عنده مدة لمثلها أجرة, لزمه أجره سواء استعمله أو تركه وإن اجتمعا مثل أن أقام عنده مدة, فذهب بعض أجزائه فعليه ضمانهما معا الأجر وأرش النقص, سواء كان ذهاب الأجزاء بالاستعمال أو بغيره وقال بعض أصحاب الشافعي: إن نقص بغير الاستعمال كثوب ينقصه النشر فنقص بنشره, وبقي عنده مدة ضمن الأجر والنقص وإن كان النقص من جهة الاستعمال, كثوب لبسه وأبلاه ففيه وجهان أحدهما يضمنهما معا والثاني, يجب أكثر الأمرين من الأجر وأرش النقص لأن ما نقص من الأجزاء في مقابلة الأجر ولذلك لا يضمن المستأجر تلك الأجزاء ويتخرج لنا مثل ذلك ولنا, أن كل واحد منهما ينفرد بالإيجاب عن صاحبه فإذا اجتمعا وجبا كما لو أقام في يده مدة ثم تلف, والأجرة تجب في مقابلة ما يفوت من المنافع لا في مقابلة الأجزاء ولذلك يجب الأجر وإن لم تفت الأجزاء, وإن لم يكن للمغصوب أجر كثوب غير مخيط فلا أجر على الغاصب, وعليه ضمان نقصه لا غير. وإذا نقص المغصوب عند الغاصب ثم باعه فتلف عند المشتري فله أن يضمن من شاء منهما, فإن ضمن الغاصب ضمنه قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف لأنه في ضمانه من حين غصبه إلى يوم تلف وإن ضمن المشتري ضمنه قيمته أكثر ما كانت من حين قبضه إلى حين تلفه لأن ما قبل القبض لم يدخل في ضمانه وإن كان له أجرة فله الرجوع على الغاصب بجميعها, وإن شاء رجع على المشتري بأجر مقامه في يده والباقي على الغاصب والكلام في رجوع كل واحد منهما على صاحبه نذكره فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ . وإذا غصب حنطة فطحنها, أو شاة فذبحها وشواها أو حديدا فعمله سكاكين أو أواني أو خشبة فنجرها بابا أو تابوتا, أو ثوبا فقطعه وخاطه لم يزل ملك صاحبه عنه ويأخذه وأرش نقصه إن نقص, ولا شيء للغاصب في زيادته في الصحيح من المذهب وهذا قول الشافعي وقال أبو حنيفة في هذه المسائل كلها: ينقطع حق صاحبها عنها إلا أن الغاصب لا يجوز له التصرف فيها إلا بالصدقة, إلا أن يدفع قيمتها فيملكها ويتصرف فيها كيف شاء وروى محمد بن الحكم عن أحمد ما يدل على أن الغاصب يملكها بالقيمة إلا أنه قول قديم رجع عنه, فإن محمدا مات قبل أبي عبد الله بنحو من عشرين سنة واحتجوا بما روى (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زار قوما من الأنصار في دارهم فقدموا إليه شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها ولا يسيغها, فقال: إن هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير وجه حق فقالوا: نعم يا رسول الله طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاة لبعض جيراننا, ونحن نرضيهم من ثمنها فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أطعموها الأسرى) رواه أبو داود بنحو من هذا وهذا يدل على أن حق أصحابها انقطع عنها ولولا ذلك لأمر بردها عليهم ولنا أن عين مال المغصوب منه قائمة, فلزم ردها إليه كما لو ذبح الشاة ولم يشوها ولأنه لو فعله بملكه لم يزل عنه, فإذا فعله بملك غيره لم يزل عنه كما لو ذبح الشاة أو ضرب النقرة دراهم, ولأنه لا يزيل الملك إذا كان بغير فعل آدمي فلم يزله إذا فعله آدمي كالذي ذكرناه, فأما الخبر فليس بمعروف كما رووه وليس في رواية أبي داود: " ونحن نرضيهم من ثمنها " فإذا ثبت هذا فإنه لا شيء للغاصب بعمله, سواء زادت العين أو لم تزد وهذا مذهب الشافعي وذكر أبو الخطاب أن الغاصب يشارك المالك بالزيادة لأنها حصلت بمنافعه ومنافعه أجريت مجرى الأعيان فأشبه ما لو غصب ثوبا فصبغه والمذهب الأول ذكره أبو بكر والقاضي لأن الغاصب عمل في ملك غيره بغير إذنه, فلم يستحق لذلك عوضا كما لو أغلى زيتا فزادت قيمته أو بنى حائطا لغيره, أو زرع حنطة إنسان في أرضه وسائر عمل الغاصب فأما صبغ الثوب فإن الصبغ عين مال, لا يزول ملك صاحبه عنه بجعله مع ملك غيره وهذا حجة عليه لأنه إذا لم يزل ملكه عن صبغه بجعله في ملك غيره وجعله كالصفة, فلأن لا يزول ملك غيره بعمله فيه أولى فإن احتج بأن من زرع في أرض غيره يرد عليه نفقته قلنا: الزرع ملك للغاصب لأنه عين ماله, ونفقته عليه تزداد به قيمته فإذا أخذه مالك الأرض احتسب له بما أنفق على ملكه, وفي مسألتنا عمله في ملك المغصوب منه بغير إذنه فكان لاغيا على أننا نقول: إنما تجب قيمة الزرع على إحدى الروايتين فأما إن نقصت العين دون القيمة, رد الموجود وقيمة النقص وإن نقصت العين والقيمة ضمنهما معا, كالزيت إذا غلاه وهكذا القول في كل ما تصرف فيه مثل نقرة ضربها دراهم أو حليا أو طينا جعله لبنا, أو غزلا نسجه أو ثوبا قصره وإن جعل فيه شيئا من عين ماله مثل أن سمر الرفوف بمسامير من عنده, فله قلعها ويضمن ما نقصت الرفوف وإن كانت المسامير من الخشب المغصوبة أو مال المغصوب منه فلا شيء للغاصب, وليس له قلعها إلا أن يأمره المالك بذلك, فيلزمه وإن كانت المسامير للغاصب فوهبها للمالك فهل يجبر على قبول الهبة؟ على وجهين وإن استأجر الغاصب على عمل شيء من هذا الذي ذكرناه, فالأجر عليه والحكم في زيادته ونقصه كما لو ولى ذلك بنفسه إلا أن يضمن النقص من شاء منهما, فلو استأجر قصابا فذبح شاة فللمالك أخذها وأرش نقصها ويغرم من شاء منهما, فإن غرم الغاصب لم يرجع على أحد إذا لم يعلم القصاب الحال وإن ضمن القصاب رجع على الغاصب, لأنه غره وإن علم القصاب أنها مغصوبة فغرمه لم يرجع على أحد لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه عالما بالحال, وإن ضمن الغاصب رجع على القصاب لأن التلف حصل منه فاستقر الضمان عليه وإن استعان بمن ذبح له, فهو كما لو استأجره. وإن غصب حبا فزرعه فصار زرعا أو نوى فصار شجرا أو بيضا فحضنه فصار فرخا, فهو للمغصوب منه لأنه عين ماله نما فأشبه ما تقدم ويتخرج أن يملكه الغاصب بناء على الرواية المذكورة في الفصل السابق وإن غصب دجاجة فباضت عنده, ثم حضنت بيضها فصار فراخا فهما لمالكها ولا شيء للغاصب في علفها قال أحمد في طيرة جاءت إلى دار قوم فأفرخت عندهم: يرد فروخها إلى أصحاب الطيرة, ولا شيء للغاصب فيما عمل وإن غصب شاة فأنزى عليها فحلا فالولد لصاحب الشاة لأنه من نمائها وإن غصب فحلا, فأنزاه على شاته فالولد لصاحب الشاة لأنه يتبع الأم ولا أجرة له لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن عسب الفحل وإن نقصه الضراب ضمن نقصه. وإن غصب دنانير أو دراهم من رجل, وخلطها بمثلها لآخر فلم يتميزا صارا شريكين وقال أبو حنيفة يملكها الغاصب, وعليه غرامة مثلها لهما وإن خلطها بمثلها من ماله ملكها لأنه تعذر تسليمها بعينها, فأشبه ما لو تلفت ولنا أنه فعل في المغصوب على وجه التعدي لم يذهب بماليته, فلم يزل ملك صاحبه عنه كذبح الشاة. وإن غصب عبدا فصاد صيدا, أو كسب شيئا فهو لسيده وإن غصب جارحا كالفهد والبازي, فصاد به فالصيد لمالكه لأنه من كسب ماله فأشبه صيد العبد ويحتمل أنه للغاصب لأنه الصائد, والجارحة آلة له ولهذا يكتفى بتسميته عند إرساله الجارح وإن غصب قوسا أو سهما أو شبكة فصاد به, ففيه وجهان أحدهما أنه لصاحب القوس والسهم والشبكة لأنه حاصل به فأشبه نماء ملكه وكسب عبده والثاني, للغاصب لأن الصيد حصل بفعله وهذه آلات فأشبه ما لو ذبح بسكين غيره, فإن قلنا: هو للغاصب فعليه أجر ذلك كله مدة مقامه في يديه إن كان له أجر وإن قلنا: هو للمالك لم يكن له أجر في مدة اصطياده في أحد الوجهين لأن الأجر في مقابلة منافعه, ومنافعه في هذه المدة عائدة إلى مالكه فلم يستحق عوضها على غيره كما لو زرع أرض إنسان, فأخذ المالك الزرع بنفقته والثاني عليه أجر مثله لأنه استوفى منافعه أشبه ما لو لم يصد شيئًا. قال: [ومن غصب جارية, فوطئها وأولدها لزمه الحد, وأخذها سيدها وأولادها ومهر مثلها] وجملة ذلك أن الغاصب إذا وطئ الجارية المغصوبة فهو زان لأنها ليست زوجة له ولا ملك يمين, فإن كان عالما بالتحريم فعليه حد الزنى لأنه لا ملك له ولا شبهة ملك, وعليه مهر مثلها سواء كانت مكرهة أو مطاوعة وقال الشافعي لا مهر للمطاوعة لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن مهر البغي ولنا أن هذا حق للسيد, فلا يسقط بمطاوعتها كما لو أذنت في قطع يدها ولأنه حق يجب للسيد مع إكراهها, فيجب مع مطاوعتها كأجر منافعها والخبر محمول على الحرة, ويجب أرش بكارتها لأنه بدل جزء منها ويحتمل أن لا يجب لأن مهر البكر يدخل فيه أرش البكارة ولهذا يزيد على مهر الثيب عادة لأجل ما يتضمنه من تفويت البكارة وإن حملت فالولد مملوك لسيدها لأنه من نمائها وأجزائها, ولا يلحق نسبه بالواطئ لأنه من زنى فإن وضعته حيا وجب رده معها وإن أسقطته ميتا, لم يضمن لأننا لا نعلم حياته قبل هذا هذا قول القاضي وهو الظاهر من مذهب الشافعي عند أصحابه وقال القاضي أبو الحسين: يجب ضمانه بقيمته لو كان حيا نص عليه الشافعي لأنه يضمنه لو سقط بضربته وما ضمن بالإتلاف ضمنه الغاصب بالتلف في يده, كأجر العين والأولى ـ إن شاء الله تعالى ـ أن يضمنه بعشر قيمة أمه لأنه الذي يضمنه به بالجناية, فيضمنه به في التلف كالأجزاء وإن وضعته حيا حصل مضمونا في يد الغاصب, كالأم فإن مات بعد ذلك ضمنه بقيمته وإن نقصت الأم بالولادة ضمن نقصها, ولم ينجبر بالولد وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ينجبر نقصها بولدها ولنا أن ولدها ملك المغصوب منه فلا ينجبر به نقص حصل بجناية الغاصب, كالنقص الحاصل بغير الولادة وإن ضرب الغاصب بطنها فألقت الجنين ميتا فعليه عشر قيمة أمه وإن ضرب بطنها أجنبي ففيه مثل ذلك, وللمالك تضمين أيهما شاء فإن ضمن الغاصب رجع على الضارب, وإن ضمن الضارب لم يرجع على أحد لأن الإتلاف وجد منه فاستقر الضمان عليه وإن ماتت الجارية, فعليه قيمتها أكثر ما كانت ويدخل في ذلك أرش بكارتها ونقص ولادتها ولا يدخل فيه ضمان ولدها, ولا مهر مثلها وسواء في هذه الأحكام كلها حالة الإكراه أو المطاوعة لأنها حقوق لسيدها فلا تسقط بمطاوعتها وأما حقوق الله تعالى, كالحد عليها والإثم والتعزير في موضع يجب, فإن كانت مطاوعة على الوطء عالمة بالتحريم فعليها الحد إذا كانت من أهله, والإثم وإلا فلا. وإن كان الغاصب جاهلا بتحريم ذلك لقرب عهده بالإسلام أو ناشئا ببادية بعيدة يخفى عليه مثل هذا, فاعتقد حل وطئها أو اعتقد أنها جاريته فأخذها ثم تبين أنها غيرها, فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بالشبهات وعليه المهر وأرش البكارة وإن حملت فالولد حر, لاعتقاده أنها ملكه ويلحقه النسب لموضع الشبهة وإن وضعته ميتا لم يضمنه لأنه لم يعلم حياته, ولأنه لم يحل بينه وبينه وإنما وجب تقويمه لأجل الحيلولة وإن وضعته حيا فعليه قيمته يوم انفصاله لأنه فوت عليه رقه باعتقاده, ولا يمكن تقويمه حملا فقوم عليه أول حال انفصاله لأنه أول حال إمكان تقويمه ولأن ذلك وقت الحيلولة بينه وبين سيده وإن ضرب الغاصب بطنها, فألقت جنينا ميتا فعليه غرة عبد أو أمة قيمتها خمس من الإبل, موروثة عنه لا يرث الضارب منها شيئا لأنه أتلف جنينا حرا وعليه للسيد عشر قيمة أمه لأن الإسقاط لما اعتقب الضرب, فالظاهر حصوله به وضمانه للسيد ضمان المماليك ولهذا لو وضعته حيا قومناه مملوكا وإن كان الضارب أجنبيا, فعليه غرة دية الجنين الحر لأنه محكوم بحريته وتكون موروثة عنه وعلى الغاصب للسيد عشر قيمة أمه لأنه يضمنه ضمان المماليك, وقد فوت رقه على السيد وحصل التلف في يديه والحكم في المهر والأرش, والأجر ونقص الولادة وقيمتها إن تلفت, ما مضى إذا كانا عالمين لأن هذه حقوق الآدميين فلا تسقط بالجهل والخطأ كالدية. قال: [وإن كان الغاصب باعها, فوطئها المشتري وأولدها وهو لا يعلم, ردت الجارية إلى سيدها ومهر مثلها وفدى أولاده بمثلهم, وهم أحرار ورجع بذلك كله على الغاصب] وجملة ذلك أن الغاصب إذا باع الجارية, فبيعه فاسد لأنه يبيع مال غيره بغير إذنه وفيه رواية أخرى أنه يصح ويقف على إجازة المالك وقد ذكرنا ذلك في البيع وفيه رواية ثالثة, أن البيع يصح وينفذ لأن الغصب في الظاهر تتطاول مدته, فلو لم يصح تصرف الغاصب أفضى إلى الضرر بالمالك والمشتري لأن المالك لا يملك ثمنها والمشتري لا يملكها والتفريع على الرواية الأولى, والحكم في وطء المشتري كالحكم في وطء الغاصب إلا أن المشتري إذا ادعى الجهالة قبل منه, بخلاف الغاصب فإنه لا يقبل منه إلا بشرط ذكرناه ويجب رد الجارية إلى سيدها وللمالك مطالبة أيهما شاء بردها لأن الغاصب أخذها بغير حق, وقد قال النبي: ـ صلى الله عليه وسلم ـ (على اليد ما أخذت حتى ترده) والمشتري أخذ مال غيره بغير حق أيضا فيدخل في عموم الخبر ولأن مال غيره في يده وهذا لا خلاف فيه بحمد الله تعالى ويلزم المشتري المهر لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح, وعليه أرش البكارة ونقص الولادة وإن ولدت منه فالولد حر لاعتقاده أنه يطأ مملوكته, فمنع ذلك انخلاق الولد رقيقا ويلحقه نسبه وعليه فداؤهم لأنه فوت رقهم على سيدهم باعتقاده حل الوطء وهذا الصحيح في المذهب, وعليه الأصحاب وقد نقل ابن منصور عن أحمد أن المشتري لا يلزمه فداء أولاده وليس للسيد بدلهم لأنهم كانوا في حال العلوق أحرارا, ولم يكن لهم قيمة حينئذ قال الخلال أحسبه قولا لأبي عبد الله أول والذي أذهب إليه أنه يفديهم وقد نقله ابن منصور أيضا وجعفر بن محمد, وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويفديهم ببدلهم يوم الوضع وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجب يوم المطالبة لأن ولد المغصوبة لا يضمنه عنده إلا بالمنع وقبل المطالبة لم يحصل منع فلم يجب وقد ذكرنا فيما مضى, أنه يحدث مضمونا فيقوم يوم وضعه لأنه أول حال أمكن تقويمه واختلف أصحابنا فيما يفديهم به فنقل الخرقي ها هنا أنه يفديهم بمثلهم والظاهر أنه أراد بمثلهم في السن, والصفات والجنس والذكورية والأنوثية, وقد نص عليه أحمد وقال أبو بكر عبد العزيز: يفديهم بمثلهم في القيمة وعن أحمد رواية ثالثة أنه يفديهم بقيمتهم وهو قول أبي حنيفة والشافعي وهو أصح ـ إن شاء الله تعالى ـ لأن الحيوان ليس بمثلي فيضمن بقيمته كسائر المتقومات, ولأنه لو أتلفه ضمنه بقيمته وقد ذكرنا وجه هذه الأقوال في غير هذا الموضع وقول الخرقي: " رجع بذلك كله على الغاصب " يعني بالمهر وما فدى به الأولاد لأن المشتري دخل على أن يسلم له الأولاد وأن يتمكن من الوطء بغير عوض, فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره البائع فرجع به عليه فأما الجارية إذا ردها لم يرجع ببدلها لأنها ملك المغصوب منه رجعت إليه, لكنه يرجع على الغاصب بالثمن الذي أخذه منه وإن كانت قد أقامت عنده مدة لمثلها أجر في تلك المدة فعليه أجرها وإن اغتصبها بكرا فعليه أرش بكارتها وإن نقصتها الولادة أو غيرها, فعليه أرش نقصها وإن تلفت في يده فعليه قيمتها وكل ضمان يجب على المشتري فللمغصوب منه أن يرجع به على من شاء منهما لأن يد الغاصب سبب يد المشتري وما وجب على الغاصب, من أجر المدة التي كانت في يده أو نقص حدث عنده فإنه يرجع به على الغاصب وحده لأن ذلك كان قبل يد المشتري فإذا طالب المالك المشتري بما وجب في يده, وأخذه منه فأراد المشتري الرجوع به على الغاصب نظرت فإن كان المشتري حين الشراء علم أنها مغصوبة, لم يرجع بشيء لأن موجب الضمان وجد في يده من غير تغرير وإن لم يعلم فذلك على ثلاثة أضرب ضرب لا يرجع به, وهو قيمتها إن تلفت في يده وأرش بكارتها وبدل جزء من أجزائها لأنه دخل مع البائع على أنه يكون ضامنا لذلك بالثمن, فإذا ضمنه لم يرجع به وضرب يرجع به وهو بدل الولد إذا ولدت منه لأنه دخل معه في العقد على أن لا يكون الولد مضمونا عليه ولم يحصل من جهته إتلاف, وإنما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب منه وكذلك نقص الولادة وضرب اختلف فيه وهو مهر مثلها وأجر نفعها, فهل يرجع به على الغاصب؟ فيه روايتان إحداهما يرجع به وهو قول الخرقي لأنه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فإذا غرم عوضه رجع به, كبدل الولد ونقص الولادة وهذا أحد قولي الشافعي والثانية لا يرجع به, وهو اختيار أبي بكر وقول أبي حنيفة لأنه غرم ما استوفى بدله فلا يرجع به كقيمة الجارية, وبدل أجزائها وهذا القول الثاني للشافعي وإن رجع بذلك كله على الغاصب فكل ما لو رجع به على المشتري لا يرجع به على الغاصب إذا رجع به على الغاصب رجع به الغاصب على المشتري وكل ما لو رجع به على المشتري رجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه الغاصب لم يرجع به على المشتري ومتى ردها حاملا فماتت من الوضع, فإنها مضمونة على الواطئ لأن التلف بسبب من جهته. ومن استكره امرأة على الزنى فعليه الحد دونها لأنها معذورة وعليه مهرها حرة كانت أو أمة, فإن كانت حرة كان المهر لها وإن كانت أمة كان لسيدها وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجب المهر لأنه وطء يتعلق به وجوب الحد, فلم يجب به المهر كما لو طاوعته ولنا أنه وطء في غير ملك, سقط فيه الحد من الموطوءة فإذا كان الواطئ من أهل الضمان في حقها وجب عليه مهرها كما لو وطئها بشبهة وأما المطاوعة, فإن كانت أمة وجب عليه مهرها لأنه حق لسيدها فلا يسقط برضاها وإن كانت حرة, لم يجب لها المهر لأن رضاها اقترن بالسبب الموجب فلم يوجب كما لو أذنته في قطع يدها, أو إتلاف جزء منها وروى عن أحمد رواية أخرى أن الثيب لا مهر لها وإن أكرهت نقلها ابن منصور وهو اختيار أبي بكر والصحيح الأول لأنها مكرهة على الوطء الحرام, فوجب لها المهر كالبكر ويجب أرش البكارة مع المهر, كما قدمنا.
|